سورة النازعات - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


قوله عز وجل: {هل أتاك حديث موسى} يا محمد وذلك أنه صلى الله عليه وسلم شق عليه حين كذبه قومه، فذكر له قصة موسى عليه الصلاة والسلام وأنه كان يتحمل المشاق من قومه ليتأسى به {إذ ناداه ربه بالواد المقدس} أي المطهر {طوى} هو اسم واد بالشام عند الطور {اذهب إلى فرعون إنه طغى} أي علا وتكبر وكفر بالله {فقل هل لك إلى أن تزكى} أي تتطهر من الشّرك والكفر، وقيل معناه تسلم وتصلح العمل وقال ابن عباس: تشهد أن لا إله إلا الله {وأهديك إلى ربك} أي أدعوك إلى عبادة ربك وتوحيده {فتخشى} يعني عقابه وإنما خص فرعون بالذكر، وإن كانت دعوة موسى شاملة لجميع قومه لأن فرعون كان أعظمهم فكانت دعوته دعوة لجميع قومه {فأراه} أي أرى موسى فرعون {الآية الكبرى} يعني اليد البيضاء والعصا {فكذب} يعني فرعون بأنها من الله {وعصى} أي تمرد وأظهر التجبر {ثم أدبر} أي أعرض عن الإيمان {يسعى} يعمل الفساد في الأرض {فحشر} أي فجمع قومه وجنوده {فنادى} أي لما اجتمعوا {فقال} يعني فرعون لقومه {أنا ربكم الأعلى} أي لا رب فوقي، وقيل أراد أن الأصنام أرباب وهو ربها وربهم {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} أي عاقبة فجعله عبرة لغيره بأن أغرقه في الدنيا ويدخله النار في الآخرة، وقيل أراد بالآخرة والأولى كلمتي فرعون وهما قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} وقوله: {أنا ربكم الأعلى} وكان بينهما أربعون سنة {إن في ذلك} أي في الذي فعل بفرعون حين كذب وعصى {لعبرة} أي عظة {لمن يخشى} أي يخاف الله عز وجل ثم عاتب منكري البعث فقال تعالى: {أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها} معناه أخلقكم بعد الموت أشد أم خلق السّماء عندكم في تقديركم. فإن كلا الأمرين بالنسبة إلى قدرة الله واحد، لأن خلق الإنسان على صغره وضعفه إذا أضيف إلى خلق السماء مع عظمها وعظم أحوالها كان يسيراً فبين تعالى أن خلق السماء أعظم، وإذا كان كذلك كان خلقكم بعد الموت أهون على الله تعالى فكيف تنكرون ذلك مع علمكم بأنه خلق السموات والأرض ولا تنكرون ذلك. ثم إنه تعالى ذكر كيفية خلق السّماء والأرض.


{رفع سمكها} يعني علو سمتها، وقيل رفعها بغير عمد {فسواها} أي أتقن بناءها، فليس فيها شقوق، ولا فطور، {وأغطش} أي أظلم {ليلها} والغطش الظلمة {وأخرج} أي وأظهر وأبرز {ضحاها} أي نهارها، وإنما عبر عن النهار بالضحى لأنه أكمل أجزاء النهار في النور، والضوء، وإنما أضاف الليل والنهار إلى السماء لأنهما يجريان بسبب غروب الشمس وطلوعها، وهي في السماء ثم وصف كيفية خلق الأرض. فقال تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} أي بسطها ومدها قال أمية بن أبي الصلت:
دحوت البلاد فسويتها *** وأنت على طيها قادر
فإن قلت ظاهر هذه الآية، يقتضي أن الأرض خلقت بعد السّماء بدليل قوله تعالى: {بعد ذلك} وقد قال تعالى في حم السّجدة {ثم استوى إلى السماء} فكيف الجمع بين الآيتين وما معناهما.
قلت خلق الله الأرض أولاً مجتمعة، ثم سمك السماء ثانياً، ثم دحا الأرض بمعنى مدها وبسطها. ثالثاً، فحصل بهذا التفسير الجمع بين الآيتين، وزال الإشكال قال ابن عباس: خلق الله الأرض بأقواتها، من غير أن يدحوها قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقيل معناه والأرض مع ذلك دحاها كقوله: {عتل بعد ذلك زنيم} أي مع ذلك {أخرج منها ماءها ومرعاها} أي فجر من الأرض عيونها، ومرعاها أي رعيها، وهي ما يأكله النّاس، والأنعام واستعير الرعي للإنسان على سبيل التّجوز. {والجبال أرساها} أي أثبتها {متاعاً لكم ولأنعامكم} أي الذي أخرج من الأرض هو بلغة لكم ولأنعامكم.
قوله عز وجل: {فإذا جاءت الطّامة الكبرى} يعني النّفخة الثانية، التي فيها البعث، وقيل الطامة القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء فتعلو عليه، والطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع. {يوم يتذكر الإنسان ما سعى} أي ما عمل في الدنيا من خير، أو شر. {وبرزت الجحيم لمن يرى} يعني أنه ينكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق {فأما من طغى} أي كفر {وآثر الحياة الدّنيا} أي على الآخرة {فإن الجحيم هي المأوى} أي لمن هذه صفته {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} أي المحارم التي يشتهيها وقيل هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر مقامه بين يديه جلّ جلاله للحساب فيتركها لذلك {فإن الجنة هي المأوى} أي لمن هذه صفته.
قوله عز وجل: {يسألونك} أي يا محمد {عن الساعة أيّان مرساها} أي متى ظهورها وقيامها {فيم أنت من ذكراها} أي لست في شيء من علمها وذكراها حتى تهتم لها وتذكر وقتها {إلى ربك منتهاها} أي منتهى علمها لا يعلم متى تقوم الساعة إلا هو، وقيل معناه فيم إنكار لسؤالهم، أي فيم هذا السّؤال، ثم قال أنت يا محمد من ذكراها، أي من علامتها، لأنك آخر الرّسل، وخاتم الأنبياء، فكفاهم ذلك دليلاً على دنوها، ووجوب الاستعداد لها.


{إنما أنت منذر من يخشاها} أي إنما ينفع إنذارك من يخافها. {كأنهم} يعني الكفار {يوم يرونها} أي يعاينون يوم القيامة. {لم يلبثوا} أي في الدنيا، وقيل في قبورهم {إلا عشية أو ضحاها}.
فإن قلت العشية ليس لها ضحى فما معنى قوله: {أو ضحاها}؟
قلت قيل إن الهاء والألف صلة، والمعنى لم يلبثوا إلا عشية، أو ضحى، وقيل إضافة الضّحى إلى العشية، إضافة إلى يومها، كأنه قال: إلا عشية أو ضحى يومها. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

1 | 2